الصبركلمة ترددت في كتاب الله عز وجل وأصبح من البديهي عند المسلمين بل وعند الناس جميعاً أن الصبر مقياس كل خير في صفات الإنسان. والنصوص في كتاب الله وسنة رسوله على فضيلة الصبر تجعل من هذا الصبر أساساً للنجاح يوم القيامة كما قال عليه الصلاة والسلام (الصبر معوّل المؤمن) إذا ضعف عملي وكثرت خطاياي ثم وهنت قواي في طاعة الله عز وجل ثم ضاقت بي السبل يوم القيامة فإن الصبر هو المعوّل عليه. فإذا جاء في صحيفتي أو صحيفتك موقف واحد فيه صبر على بلاء واحتسبناه لله ولم نشكُه لأحد من عوادنا ولم ندعُ غير الله في كشفه فإن هذا الموقف وحده كافٍ لأن يرفع درجاتنا حتى لو كبت بنا كل أعمالنا – معشر المسلمين - هكذا هو الصبر (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ 46 الأنفال) فالصبر شطر الإيمان، فكل هذا الدين شطر والصبر وحده شطر. وجاء في الحديث (الصبر أول العبادة). ونجد مع الصبر كلمات تناسبه هي الصبر والحلم والصوم والعفة والقناعة وكظم الغيظ والعفو، وهي تحتاج منا للقوة والعزيمة .
الصبر: فإما أن تكون صابراً أو جزوعاً، وهو احتمال موقف مؤلم وشاق لا تستطيع تلافيه. فتلجأ إلى الله تعالى ، فعليه التكلان ، وإليه وحده الملاذ والمأوى " واصبر وما صبرك إلا بالله " ومن لم يصبر كان جزوعاً .
الحلم : وهي صفة الصابر المتمكن الذي يغفر لمن أساء إليه . والفرق بين كونك حليماً وكونك صابراً أن تكون حليماً باختيارك، يمكنك أن تتلافى ما قد يجري عليك ، قال الله تعالى مع الصبر :(وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ 186 آل عمران) وقال مع الحلم (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ 43 الشورى) فزادت اللام مع الحلم ويقول ابن القيم في مدارج السالكين إنه سأل شيخ الإسلام ابن تيمية عن صبر سيدنا يوسف عليه السلام في الجب فقال كان صبراً اضطرارياً ، ولكن الأعظم من ذلك صبره في السجن وصبره على مراودة التي هو في بيتها ، فدخل السجن باختياره.
وعكس الحِلم السفه ، وقد مدح الله تعالى سيدنا إبراهيم بالحلم ، فقال : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ 75 هود) ومن حلم رب العالمين أنه لم يعجل العقوبة وهو القادر على تنفيذها في الحال والتو : (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى 45 فاطر) .فكان الحلم من أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى
الصوم: احتمال الامتناع عن مطلوب مشروع لإرضاء الله تعالى. وهو نوع من أنواع الصبر فتصبر على عدم الأكل والشرب .
العِفّة: وعكسها الطمع (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ 33 النور) فأنت تعف عما في يد الآخرين مع إمكان أن تحصل عليه. وكل شهوة تستطيع الحصول عليها ولكنك تتركها لمعانٍ سامية تسمى عفة. وفي الجاهلية سميَ والد الصحابي الجليل عثمان بالعفيف أو العفـّان لأنه حرّم الخمرة والنساء على نفسه رغم شيوعها في الجاهلية من باب عفته ومروءته وشعوره بالكرامة وحسن الخلق .ومن هنا نقول : إن العفة ترك ما تستطيع نيله بطريق غير محمود، مع أنه ليس لك
القناعة: صفة رائعة يمتاز صاحبها بالرضا بالقليل مع قدرته على نيل الكثير وهذا من الزهد المحمود . والقناعة عكسها الشره ومن صفات الإنسان الجشع ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى الثالث). ومن هنا نقول : إن القناعة ترك ما تستطيع نيله بطريق الحلال ترفعاً وزهداً.
كظم الغيظ: والكظم عكسه الإنفاذ، فإن اعتُدي على أحد وكان يستطيع الردّ على المعتدي بقوة ، فكظم غيظه التزاماً بأمره تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ 134 آل عمران) نال الخير الكثير ، وفاز بالجنة .
وكظم الغيظ أنك لا تتعجل الانتقام – وهو من حقك - ولا تهيج برغم ما في داخلك من غليان ومن ثورة الغضب ، وانظروا نتيجة الحلم وكظم الغيظ (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 35 فصلت) إنه اكتساب الأصدقاء ، وما يفعل هذا إلا عظماء الرجال، ويمدحهم الله تعالى في الحديث القدسي (من كظم غيظه من أجلي وهو قادر على إنفاذه كان حقاً علي أن أملأ جوفه رضىً يوم القيامة) وهؤلاء الرجال قليلون .
العفو: هو الخطوة الثانية بعد الكظم ، فلا محاسبة لأخذ الحق بل سماح وعفو . ماذا بعد كظم الغيظ ؟ " والكاظمين الغيظ ، والعافين عن الناس ، والله يحب المحسنين " (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).
ولا ننس قصة المملوك الذي صب خطأ على سيده ما في يده فأثار حفيظته وكاد يبطش به لولا أن تدارك العبد الأمر فأسرع يقول : " والكاظمين الغيظ " فقال : كظمت غيظي ، فقال العبد " والعافين عن الناس " قال عفوت عنك ، فقال :" والله يحب المحسنين " فقال اذهب ، أنت حر لوجه الله .
ولا يكون الوجيه وجيهاً في الدنيا إلا إذا كان صابراً حليماً مبتسماً لا يعجل العقوبة ، عفيفاً وقنوعاً فإذا اجتمعت هذه الصفات في عبد كان في قمة الخلق. يقول النبي صلى الله عليه وسلم (أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقا) :إن الرجل يكتسب بحسن خلقه يوم القيامة أكثر مما يكتسب الصائم الذي لا يُفطر والقائم الذي لا يَفتر والمجاهد الذي لا.يضعُف. والميزان يوم القيامة ليس بكثرة صلاة ولا بكثرة صيام وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام يمدح الصديق أبا بكر (ما سبقكم أبو بكر بكثرة صيام ولا كثرة صلاة ولكن بشيءٍ وقر في قلبه) فقد جمع من صفات الخير الشيء الكثير ، فكان عند الله تعالى كريماً .