المولد النبوي الشريف21/3/2008
ما أن يهل علينا هلال شهر ربيع الأول إلا و يتذكر المسلمون مولد النبي صلى الله عليه و سلم في أحد أيامه ، التي بوركت ببركته ، و كرمت بفضله .
و لم يجادل أحد في جواز بل استحباب الاحتفاء بتلك الذكرى العطرة إلا فرقة من المتأخرين المعاصرين الذين قالوا " ببدعيته " بمعنى عدم المشروعية ؛ بدعوى عدم فعله في القرون الأولى . و هذا غير صحيح ، و سياتي بيانه .
مالهم حجة غير ذلك ! و جهلوا أو غفلوا عما تقرر في علم الأصول من أن مجرد الترك - للفعل - لا يفيد الحرمة و لا الكراهة الشرعية . و انظر كلام الإمام الشاطبي في كتابه " الموافقات في أصول الشريعة " في بيان ذلك .
و لا نقول في جوازه واستحبابه إنه بدعة حسنة - مما ينازع فيه - بل نقول إنه قربة من القربات .
و أتمنى أن ننظر في أدلة المسألة بقصد الاستبصار لا بغرض الاستظهار لرأي من الآراء .
* * *
و بادئ ذي بدء نسأل المنكرين لمشروعية الاحتفاء بيوم المولد النبوي الشريف :
هل الإنكار لأصل الفعل أم لصورته ؟
فإن كان لصورته - مما قد يصاحبه من سوء تصرفات - فلا خلاف في إنكارها و الاعتراض عليها . و يجب تقويم المعوج منها ، و نشر الصالح و النافع من الأعمال . و في ذلك فليتنافس المتنافسون .
و إن كان الإنكار لأصل الفعل ، و هو " الاحتفاء " بيوم مولد النبي صلى الله عليه و سلم : فلا أحسب أن مسلما صادق الإيمان ينكر الفرح بذكرى مجيئه صلى الله عليه و سلم إلى الدنيا ، و إظهار السرور بذلك المجيئ و الميلاد الشريف . و هذا هو معنى الاحتفاء في لسان العرب .
قال ابن منظور : تَحَفَّى واحْتَفَى : لَطَفَ بِهِ ، وأَظهر السرورَ والفَرَحَ به ، وأَكثر السؤال عن حاله . وفي الحديث : أَنَّ عجوزاً دخلَت عليه فسَأَلها فأَحْفَى ، وقال : إنَّها كانت تَأْتِينا في زَمَن خَدِيجَة ، وإنَّ كَرَم العَهْدِ من الإيمان . [ لسان العرب ]
و إذا سلّم بمشروعية الفرح و السرور بيوم مولد النبي صلى الله عليه و سلم : فهل الإنكار منصب على إظهار ذلك السرور أم على مظاهره ؟
* * *
و قد تقدم القول هنا بأن الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف " قربة " من القربات الشرعية ؛ التي يتقرب بها العباد إلى الله تعالى ؛ لوجود نظيره في السنة النبوية .
و بيان ذلك :
1- قال ابن خويز منداد [ من كبار أئمة المالكية] : إذا أشكل ما هو برّ وقربة بما ليس هو بر وقربة أن ينظر في ذلك العمل ، فإن كان له نظير في الفرائض والسنن فيجوز أن يكون ، وإن لم يكن فليس ببر ولا قربة.
قال : وبذلك جاءت الاثار عن النبي صلى الله عليه وسلم . أهـ [ تفسير القرطبي " الجامع لأحكام القرآن " ]
2- و لاحتفاء بالمولد النبوي له نظير في السنن ؛ حيث صامه النبي صلى الله عليه و سلم و علّل هذا بقوله : " ذاك يوم ولدت فيه " ؛ فيكون قربة من القربات .
ففي حديث أبي قتادة الأنصاري قال : " وسئل عن صوم يوم الاثنين . قال : ذاك يوم ولدت فيه ، ويوم بعثت أو أنزل علي فيه " .
رواه مسلم في صحيحه ، و أبو عوانة في مستخرجه ، و ابن خزيمة و ابن حبان في صحيحيهما ، و أحمد في مسنده ، و غيرهم .
فرسول الله صلى الله عليه و سلم صام يوم الاثنين احتفاء بمولده الشريف - كما صرّح و أوضح في حديثه الصحيح الثبوت الصريح الدلالة - و كأنه يحث علي فعله و يحض عليه .
فأصل الاحتفاء بيوم المولد النبوي مشروع و مسنون ، و الاحتفال به في عصورنا هذه قربة من القربات ؛ تخريجا على ما ذكره ابن خويذمنداد آنفا .
و لا أحسب أن عاقلا يجعل التوسعة على النفس و الأهل و الولد - في المأكل و المشرب و شراء الحلوى في ذلك اليوم - تخرج ذلك الاحتفاء من الحلّ و الاستحباب إلى الحرمة .
و مالنا لا نفرح و نحتفي و نحتفل بيوم ولد فيه سيد ولد آدم ، و خاتم الأنبياء و المرسلين : سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين إلى يوم الدين ؟
{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } . [الأنبياء/107]
قال تعالى :{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } . [التوبة/128]
و قال : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . [الأعراف/157] المصدر: islamonline.net